إمبراطورية روسيا هل تستطيع تعويض الحماية الأميركية؟

وجد البعض مع بداية غزو إمبراطورية روسيا لأوكرانيا، الفرصة لترديد مجموعة من المقولات المعلّبة التي ليس لها معنى ، أو لا تصلح للتطبيق في كافة الحالات على الأقل. وأشهر تلك المقولات مقولة {المتغطي بالأمريكان عريان} . بينما قام بعضهم بتطويرها وعمل على توسيع مداها حتى تصلح للتطبيق على الحرب الأخيرة بسبب وجود حلف الناتو و الاتحاد الأوروبي ضمن أطراف الأزمة، حتى أصبحت المقولة {المتغطي بالغرب عريان}
وحسب ما صرح به مذيع مصري يحمل الجنسية الروسية لكنه لم يقل ذلك أمام الجميع.
تجارب تاريخية ومعاصرة
يستند هؤلاء لإثبات وجهة نظرهم إلى تجارب تاريخية ومعاصرة . منها أن واشنطن رفضت أن تستقبل شاه إيران بعد نجاح الثورة في خلعه عام 1979. وكذلك عندما هرب الرئيس الأفغاني أشرف غني من كابل وتركها لمسلحي طالبان الذين استطاعوا السيطرة عليها من دون أن يتدخل الجيش الأميركي. بعد أن تم توقيع اتفاقية بين إدارة ترامب وطالبان لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، بالإضافة إلى تجارب أخرى. مثل سقوط نظام فيتنام الجنوبية الموالي للولايات المتحدة على يد قوات شيوعية.
المقولة تبدو كأنها دعاية غير مباشرة للدول المناهضة للغرب مثل روسيا والصين. بغض النظر عن مدى صحة تطبيق هذه المقولة على الأحداث والتجارب التي ذكرناها في الأعلى من عدمها.
حيث أن مقابل تلك الصورة عن الغرب الذي يغدر بحلفائه ويتخلى عنهم تظهر صورة أخرى متخيلة عن العملاق الروسي الذي يواجه الامبريالية الغربية ويقف بجانب أصدقائه في الأوقات الصعبة ولا يتخلى عنهم.
إلى جانب من وقفت روسيا حتى أصبحت مثالا يحتذى به عند البعض؟
-
إمبراطورية روسيا والأنظمة الحاكمة الديكتاتورية
عند إجراء مسحا سريعا سنجد بوضوح أن روسيا لم تقف بجانب أي دولة بالمعنى الإيجابي. وإنما وقفت بجانب أنظمة حاكمة ضد حركات تمرد وثورات اندلعت ضدها مثل، نظام قديروف في الشيشان، و نظام الأسد في سوريا، ونظام لوكاشينكو في بيلاروسيا. فضلا عن الأنظمة التي تحكم في مناطق كازاخستان وفنزويلا وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا.
-
إمبراطورية روسيا والسودان
وقد بدأت أيضا في السودان تظهر للعلن قصص حب متبادل بين المجلس العسكري الحاكم وروسيا. حيث كانت آخر قصة زيارة حميدتي إلى موسكو. بالإضافة إلى وجود تقارير تفيد بظهور مرتزقة فاغنر الروس في السودان. وتسريبات عن إمكانية إنشاء قواعد بحرية روسية على الأراضي السودانية. كما أن روسيا تمنع محاكمة مجرمي الحرب أمام المحكمة الجنائية الدولية. وهو أهم ما يثير إعجاب القادة السياسيين من سياسات موسكو لأنهم معنيون بهذا الأمر بشكل أو بآخر.
-
روسيا وأوكرانيا
ولم تستطع روسيا في أوكرانيا، أن تفعل شيئا من أجل انقاذ حليفها الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش عندما اندلعت المظاهرات الغاضبة ضده في وجهه عام 2014، حيث أنه هرب وترك منصبه. واكتفت موسكو برد فعل عسكري تمثل في احتلال شبه جزيرة القرم. وهذا أدى لزيادة كره الأوكرانيين لروسيا واتحادهم ضدها أكثر من أي وقت مضى.
لقد فاز بوتين بالقرم وأجزاء من شرق أوكرانيا لكنه بالمقابل خسر الشعب الأوكراني بأكمله بعد الممارسات التي قامت بها الآلة العسكرية الروسية من قتل وتدمير وتهجير على مدار أسابيع.
-
إمبراطورية روسيا وأرمينيا
كما أن بوتين لم يفعل شيئا لحليفته أرمينيا وتركها لقمة سائغة لأذربيجان التي استطاعت أن تسترد أراضيها المحتلة منذ 3 عقود.
كذلك لم يستفد آخرون من هرولتهم تجاه موسكو وإعادة زمن عدم الانحياز وأمجاد “الدب الروسي” حيث أن بوتين لم يقابلهم بالترحاب الذي كانوا يتوقعونه. لأنه كان يعلم أنها مجرد مناورة من جانبهم تجاه الولايات المتحدة من أجل انتزاع تنازلات منها في ملفات داخلية وفق ما جاء في صحيفة CNN.
-
ابتزاز مصر
وقد لجأ بوتين إلى ابتزاز مصر من خلال ورقة السياحة الروسية بعد سقوط الطائرة الروسية فوق سماء سيناء عام 2015، وبقي يماطل عدة سنوات للسماح لسياح بلاده بالعودة إلى مصر.
وعندما جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا كانت مصر من أكثر الدول تضررا منها. حيث أنها أصبحت مهددة بأزمة في إمدادات القمح وذلك بسبب تعثر واردات القمح الأوكراني وانخفاض عدد السياح الروس بسبب العقوبات الغربية على روسيا والذين يشكلون نسبة كبيرة من عائدات السياحة في مصر.
بالإضافة إلى نتائج غير مباشرة ظهرت في خروج مليارات الدولارات من الأموال الساخنة التي قام المستثمرون بسحبها خوفا من نتائج الحرب الروسية الأوكرانية . مثل حدوث موجة تضخم وارتفاع كبير في الأسعار وتخفيض لقيمة الجنيه، وهذا ينذر بحدوث أزمات اجتماعية كبرى.
وحتى إذا عدنا بالزمن إلى الوراء، سنجد تجارب أنظمة سياسية عديدة لم ينفعها الغطاء الروسي.
فمثلا ، هُزمت مصر في حرب 1967، رغم أن اعتمادها الكبير على الدعم السياسي والعسكري من الاتحاد السوفيتي.
-
إمبراطورية روسيا وإيران
وبالرغم من أن إيران هي الحليف الرئيسي لروسيا في الشرق الأوسط. تعرضت لابتزاز مدهش من روسيا فبعد التوصل إلى حل وسط بين طهران والقوى الكبرى بخصوص توقيع اتفاق نووي جديد.
دخلت روسيا على الخط وقامت بوضع شروطها من أجل إلغاء بعض العقوبات المفروضة على ايران بعد حربها على أوكرانيا. حتى تتمكن من التعامل الاقتصادي مع إيران.
وهو ما أدى إلى تعثر المفاوضات وعرقلة التوصل إلى اتفاق كانت تحتاجه إيران بشدة للتخلص من أثر العقوبات الخانق على اقتصادها.
كما رأى بعض المحللين أن روسيا لا تريد أن تعود إيران سريعا إلى تصدير الغاز حتى لا تكون بديلا عن الغاز الروسي الذي يواجه عقوبات.
-
روسيا وأفغاستان
أما أفغانستان فقد كانت تمثل حالة نموذجية، حيث قامت القوات السوفياتية باجتياح البلاد عام 1979 لدعم الحكومة الشيوعية الحليفة لها. وبالرغم من ذلك لم تستطع أفغانستان فعل أي شيء خلال ما يقرب 10 سنوات. ثم أعلنت انسحابها بعد ذلك.
ورغم الدعم المكثف الذي قامت روسيا بتقديمه لحكومة الرئيس محمد نجيب الله العميلة لها . والذي ظهر على شكل مساعدات عسكرية واقتصادية ضخمة. فضلا عن الأغذية والوقود والتقنيات والأسلحة الحديثة المتطورة. وكذلك من خلال الدعم المباشر من القوات الخاصة.
فقد انهار النظام الأفغاني في نهاية المطاف وتم احتجاز نجيب الله عدة سنوات. حتى قامت حركة طالبان بإعدامه بعد دخولها كابل للمرة الأولى عام 1996.
المتغطي بالغرب عريان
وعلّقت جثة نجيب في إحدى الساحات العامة في كابل وبذلك كان عبرة ومثالا للواهمين بأنهم في مأمن من شعوبهم. حتى عندما يتخذون الغرب أو الشرق غطاء لهم.
هذه هي أفعال الدب الروسي مع حلفائه والمهرولين إليه والذين يتخذونه قدوة ومثلا…. فما بالنا بالباقين.
اقرأ أيضا مقالة لماذا تحظى المدينة الساحلية ماريوبول بأهمية كبيرة ضمن خطط روسيا في أوكرانيا؟