لماذا تلجأ دول أوروبا لحرق جثث الموتى؟
كيف استفادت دول أوروبا من الرماد الناتج عن حرق جثث الموتى؟
تزايد حرق جثث الموتى في الدول الغربية، التي أغلب مواطنيها من الديانة المسيحية. وأخذت تسير على نفس خُطى دول شرق آسيا ولكن بدوافع مختلفة ، فلم تعد هذه الثقافة مرتبطة بالديانات والطقوس.
وبعد أن كان الدفن تحت الأرض، وهو التقليد المعروف والراسخ في أوروبا وأمريكا الشمالية. تزايدت ظاهرة حرق الموتى فيها، ومع هذا الازدياد بدأ التفكير بالاستفادة عملياً ومادياً من هذه الظاهرة في التدفئة من برد الشتاء القارس. بعد أن استفادت منه بعض الشركات لأهداف تجارية.
وباتت نسبة كبيرة من السويسريين يختارون حرق جثث موتاهم. وكذلك في الدانمارك وألمانيا وبريطانيا حيث بلغت نسبة حرق الموتى في سويسرا 85%. وفي بريطانيا 73٪ وفي ألمانيا 75% وفي الدنمارك 77% وفق وكالة الأنباء الألمانية.
كما كشفت الرابطة الوطنية لمديري الجثث في أمريكا الشمالية في تقرير صدر عام 2019. عن تزايد حرق الجثث حيث ارتفعت معدلاتها وتجاوزت معدل الدفن للعام الرابع على التوالي.
بالإضافة إلى ذلك، ارتفع عدد المحارق المخصصة لحرق جثث الموتى في الولايات المتحدة الأمريكية. حيث شغلت محارق الجثث حوالي ثلث دور الجنازات بنسبة 8.9% في عامي 2017 و2018.
وأيضاً جاء في تقرير حمل عنوان “حرق الجثث والدفن”، فإنه بقدوم عام 2040 من المتوقع أن يصبح معدل حرق جثث الموتى في الولايات المتحدة 78.7% بينما معدل الدفن المتوقع هو 15.7% فقط.
ويدل هذا التقرير إلى أن ظاهرة حرق الموتى ليست اتجاها يتلاشى، ولكنها ظاهرة تجد تفضيلاً وقبولاً من الناس.
أسباب ازدياد ظاهرة حرق الموتى في الدول الغربية
ربما قد أسهمت جائحة كورونا في ظاهرة حرق جثث الموتى، ولكن هناك أسباب أخرى وذات أهمية أكبر تدفع الناس في دول الغرب إلى اللجوء لحرق موتاهم، وأبرز هذه الأسباب التكلفة المادية للحرق التي تبلغ ثلث تكلفة الدفن تحت الأرض، والتي تتطلب تجهيزات للتابوت الخشبي أو النعش ومراسم الدفن وغيرها من النفقات.
وفي بعض البلدات الفرنسية وصلت تكلفة استئجار قبر دائم إلى أكثر من 7 آلاف يورو، بينما في العاصمة باريس وصلت تكلفة القبر إلى 15 ألف و528 يورو، وفق تقرير نشرته صحيفة لوموند الفرنسية.
كذلك في هولندا تكلفة الدفن مرتفعة فهي بين ألف و 4 آلاف يورو في السنة، حسب المكان وحسب نوع المقبرة خاصة أو عامة.
بالإضافة إلى ذلك، تساهل الكنيسة المسيحية مع حرق جثث الموتى بعد الوفاة، أصبح عاملاً مشجعاً لدى طائفة أخرى كانت متشددة في ذلك الأمر.
وهناك مصادر أخرى، تقول أن عملية حرق الموتى لها تأثير إيجابي على البيئة، لأنها توفر مساحات أكبرعلى الأرض يمكن أن يستفيد منها الناس الأحياء، لكن حرق جثث الموتى يحتاج الكثير من الوقود، وينتج عنه انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون بملايين الأطنان.
مصير الرفات بعد حرق جثث الموتى
حرق جثث الموتى يتم بوضع الجثة في حاوية أو نعش ثم تدخل إلى فرن خاص لحرقها، وتستغرق عملية حرق الجثة من ساعتين إلى ثلاث ساعات، وتبلغ درجة الحرارة ألفي درجة مئوية وبعد الانتهاء من عملية الحرق تُسحق العظام المتبقية حتى تصبح رماداً، وبعد ذلك يوضع الرماد في جرة، ويتم تسليمه لأقرباء المتوفى.
قد يحتفظ بعض أقرباء المتوفى بالرفات المتبقية في أوعية أو قنان. والبعض الآخر يقوم بدفنه في مقبرة، وبعض الأشخاص يوصون أن يذر رماد جثثهم في أماكن يفضلونها. والبعض الآخر يتم نثر رماد جثته في البحر.
كيف استفادت دول أوروبا من الرماد الناتج من الحرق ؟
ومع ازدياد معدل حرق الموتى أصبح مصير الرفات بعد عملية الحرق يثار جداً. ففي تقرير أمريكي أن 42% من رماد الموتى يتم إعادتها إلى العائلات بينما يتم دفن 35% في مقبرة و16% من الرفات المحترق، يتم بعثرتها في مواقع عديدة.
ومن هنا ظهرت شركات حرق الموتى في دول أوروبا وغايتها استعمال رماد الجثث في إنشاء الشعاب المرجانية أو ضغطها لتحويلها إلى ألماس.
ووفق وكالة الأنباء الألمانية، يتدارس خبراء في الدول الأوروبية فكرة الاستفادة من حرارة الجثث المحترقة للتدفئة في فصل الشتاء.
حيث تحاول شركات في الدنمارك والسويد الاستفادة من الحرارة التي تنتج عن عملية حرق جثث الموتى في تدفئة المباني. وبالأخص بعد انقطاع الغاز الروسي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى أزمة طاقة في القارة العجوز.
وقد جاء في تقارير وكالة الأنباء الألمانية، أن مديرة إحدى المحارق في السويد. وتدعى “لينارت أندرسون” قالت انهم سيقومون باستخدام عملية حرق الموتى في تسخين أبنيتهم الخاصة. ومستقبلاً يمكنهم الاتصال بشبكة التدفئة الخاصة بالمناطق التي تحيط بالمحرقة.
إهانة للإنسان بعد وفاته
يأتي هذا الحديث. مع استفسارات أخلاقية حول إنسانية هذا العمل الذي قام بتحويل الإنسان بعد وفاته إلى سلعة تباع وتشترى بدلاً من إكرامه بالدفن. وفق وكالة رويترز.
كما تم انتقاد هذه الظاهرة لأنها تحمل إهانة للإنسان وقد شبهها الأكاديمي “عبد الله البريدي” بالهولوكوست التي قام فيها النازيون بإهانة الإنسان وأحرقوه، وهو على قيد الحياة. لكنه أطلق اسم الموتوكوست على هذه الظاهرة الجديدة، التي تعني حرق الأموات.
كما أشار الكاتب “البريدي” أن حرق جثث الموتى، والاستفادة من الرفات المحروقة للتدفئة. هو إبداع جديد وصلت إليه حضارة دول الغرب في تعاملها مع البشر والاستفادة منهم مادياً حتى بعد مماتهم.
الكنيسة الغربية تسمح بحرق جثث الموتى بعدما كانت تحرّمها سابقاً
كانت الكنيسة الغربية تحرم حرق جثث الموتى طوال القرون الماضية. لأن هذا العمل يتعارض مع تعاليم ووصايا البعث يوم القيامة، ولكن في العقود الماضية خففت الكنيسة القيود كثيراً. وبدأت تسمح بحرق الموتى في عام 1963.
ويفضل الفاتيكان كما صرح عام 2016 في وثيقة، أن يتم دفن الجثث بدلاً من حرقها. كما أوصى بعدم رمي رماد الجثث في الهواء أو ابقائها في المنزل. أو توزيعها بين أفراد الأسرة ودفنها في مكان مقدس.
وجاء في الوثيقة أنه في حال تم اختيار حرق الميت. فإن رماده يجب أن يتم وضعه في مكان مقدس مثل كنيسة أو مقبرة أو خزائن خاصة أو في مكان مخصص لهذا الأمر.
كما أضافت وثيقة الفاتيكان، لا يسمح بنثر رماد المتوفي على الأرض أو في الهواء أو في البحر أو في أي مكان آخر أو أن يحفظ في قطع مجوهرات أو في تذكارات أو ماشابه ذلك.
أما في الدين الإسلامي لا يجوز حرق جثث الموتى. لأن للميت حرمة كحرمة الحي فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كسر عظم الميت ككسره حياً”. ويفسر هذا أن حرقه ميتا كحرقه حياً. وأيضاً إكرام الميت يقتضي أن يغسل ويكفن ويدفن في التراب.
اقرأ أيضا مقالة الملياردير إيلون ماسك وأسرار نجاحه