سياسة

ميخائيل غورباتشوف .. رحل آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي

بعد وقت قصير، أعلن أصغر أعضاء المكتب السياسي سنا عن أهدافه وتوجهاته الإصلاحية التي عرفت في العالم  باسم "البيريسترويكا"

رحل الرئيس الأخير للاتحاد السوفيتي السابق “ميخائيل غورباتشوف” عن عمر يناهز 91 عاما بعد معاناة طويلة مع المرض. رحل هذا الرجل وهو مشيعا بالنقد الكثير من أنصاره ومعارضيه معا، مع أن هناك أصوات كثيرة تقول أنه يستحق غير هذا الموقف، وهو الذي قام بفتح أبواب موصدة أمام شعبه والعالم، في زمن الستار الحديدي، باتجاه الحرية والاقتصاد الحر والديمقراطية، وغير ذلك من الشعارات التي هناك ما يؤكد أنها تبقى تفسيرات، لما يجري اليوم من صراعات. وما حدث ويحدث من حروب وكوارث في الاتحاد السوفيتي السابق.

من هو ميخائيل غورباتشوف؟

في قرية من قرى الجنوب الروسي ولد ميخائيل غورباتشوف في الثاني من شهر مارس 1931، من عائلة قروية أثرت كثيرا على ملامح طفولته وشبابه، وقد انتسب مبكرا إلى الحزب الشيوعي السوفيتي، فاستطاع أن يغلب أقرانه ويكون رائدا عليهم، ولقد تم دعمه بوسام “الراية الحمراء”، الذي فتح له بسرعة أبواب العاصمة الروسية موسكو، و جامعتها الحكومية.

خبر غورباتشوف منذ صغره جميع مراحل العمل الحزبي، التي نقلته خلال سنوات معدودة إلى النسق الأعلى للسلطة، فأصبح عضوا في المكتب السياسي للحزب، وفي شهر مارس عام 1985 تم انتخاب “ميخائيل” أمينا عاما للحزب، حيث أنه تجاوز أركانا كثيرة في الحزب وأعمدته الأساسية، مما كانوا متأهبين، من أجل اقتناص هذا المنصب بعد طول انتظار.وفق ما جاء في وكالة رويترز.

غورباتشوف والبيريسترويكا

وبعد وقت قصير، أعلن أصغر أعضاء المكتب السياسي سنا، عن أهدافه وتوجهاته الإصلاحية التي عرفت في العالم، باسم “البيريسترويكا”، التي تعني إعادة الهيكلة   والغلاسنوست التي تعني الشفافية. والتي غيرت الأوضاع وموازين القوى في الاتحاد السوفياتي وخارجه، وقلبتها رأسا على عقب.

أعلن ميخائيل غورباتشوف أثناء  اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي في نفس العام بشهر نيسان عن ضرورة إعادة النظر في برنامج الحزب، وإعادة بنائه، وتحت شعارات تنادي بوجوب التمسك بتقاليد فلاديمير لينين وخططه السياسية، والتمسك أيضا بتنمية مجتمع الاشتراكية المتقدمة، طرح غورباتشوف أفكارا مختلفة، تقول إن “البيريسترويكا” تنبع من أننا ندرك واقع عدم الاستفادة بشكل كافي من إمكانات الاشتراكية الهائلة.

كذلك أشار في الاجتماع إلى إنجازات “ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى”، قائلا إن أعمال فلاديمير لينين بقيت معينا، لا ينضب للثورة النظرية والفكر الخلاق والبصيرة السياسية، وقال ميخائيل غورباتشوف أيضا أن فلاديمير في سنواته الأخيرة كان يرى أن الاشتراكية والديمقراطية لا تنفصلان.

الحرس القديم ومارغريت تاتشر

قام ميخائيل غورباتشوف برسم صورة وردية اعتبرت مقدمة لتطورات مغايرة، فقد تساقط الرفاق الذين كانوا بالأمس يطلقون على أنفسهم اسم “الحرس القديم”، وهم بذلك افسحوا الطريق أمام من ظنهم غورباتشوف سنده باتجاه التغيير المنشود. جاء بأسماء مثل “إدوارد شيفارنادزه” و “الكسندر ياكوفليف”، الذين جعلوه يسقط في فخ أضواء الخارج ونجومه، ومنهم رئيسة وزراء بريطانيا “مارغريت تاتشر”، التي سرعان ما زفت فرحتها إلى الرئيس الأمريكي السابق ” رونالد ريغان” من خلال رسالة شخصية، حيث قالت له “جاء الذي من نستطيع الركون إليه”

اعتراف ميخائيل غورباتشوف بأخطائه

اعترف ميخائيل غورباتشوف بأخطائه الكثيرة، في عدة مقالات له. لكن أخطرها وفق آراء الكثيرين يتمثل في أنه قام باتباع سياسة “البيريسترويكا”. دون وجود نظرية متكاملة الأركان، ودون تصور واضح لها، كان يمكن لهذه السياسة أن تكون بديلا للماركسية اللينينية.

أراد غورباتشوف من خلال الاعتماد على نظرية جامدة جدا، ومن خلال أشخاص ينتمون إلى الماضي، التغيير وتحقيق الجديد، كما أنه اعتمد منطق التجربة والخطأ، ووقع تحت تأثير قوى أجنبية وعوامل خارجية، استغلت ببراعة مذهلة أخطاء غورباتشوف الذي كان مبهورا بالخارج، مفضلا الإصلاح السياسي قبل الإصلاح الاقتصادي، حيث تصور أنه يمكن أن يجمل الهيكل القائم على اقتصاد دولة عظمى، متعددة القوميات مترامية الأطراف، من دون أن يدرك في ذلك الحين أن الإصلاح السياسي لا يتم ابدا بمعزل عن الإصلاح الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي، و أيضاً الإصلاح الثقافي في دولة خضعت لسبعين عاما تقريبا ، لتسلط وقهر وظلم سلطة خنقتها و جثمت على أنفاسها وأخمدت صوتها، ولعل البدء بالإصلاح الاقتصادي هو الذي جعل ميخائيل غورباتشوف يصبح قريبا من الغرب، لكنه أخذ يتغير مع كل تغيير جديد.

كتاب الانقلاب

بعد فشل انقلاب أغسطس عام 1991، سأل “ميخائيل غورباتشوف” في كتابه “الانقلاب”، هل كان العالم بحاجة إلى “البريسترويكا”؟ أم أنها كانت خطأ قاتلا؟ وماهي أهدافها الحقيقية؟ وهل البدء في مثل هذه التغيرات المشحونة بالمخاطر والأخطار كان ضرورياً؟

اعترف غورباتشوف بالكتاب نفسه، أنه كان لا يملك الخبرة، ولم يكن يتوقع النتائج التي يدركها اليوم. واعترف أيضاً أنه عندما قام باتخاذ الخطوات المحدودة. من أجل تصفية المواجهة مع الغرب الباهظة التكاليف والخطرة جدا. والتي لم يكن لها أي تبرير منذ زمن بعيد، تساقطت الاتهامات، وعلى طبق من فضة قدمنا إلى الإمبريالية. وخسرنا الحرب العالمية الثالثة، وفرطنا في المكتسبات التي كسبناها في الحرب الوطنية. وقمنا بخيانة الحلفاء والاصدقاء وألحقنا الإهانة بذكرى ضحايا الحرب. وحطمنا النظام الاشتراكي، وقمنا بطعن الشيوعية الدولية من الخلف.

لم يكن” ميخائيل غورباتشوف” المسؤول الوحيد عن تفكك الاتحاد السوفيتي. فالمسؤولون هم الذين راحوا يرقصون مبتهجين، بإعلان الرئيس الأمريكي “جورج بوش”. توصل أوكرانيا وروسيا وبيلاروس إلى اتفاق بخصوص إنهاء وجود الاتحاد السوفيتي في 8 ديسمبر 1991. والرؤساء المسؤولون هم يلتسين في روسيا و” فياتشيسلاف شودكيفيتش”. في بيلاروس و “كرافتشوك” في أوكرانيا، وهم يتحملون مسؤولية إسقاط الاتحاد مثل غورباتشوف.

اقرأ أيضا مقالة خطة التقشف في ألمانيا والسباق مع الزمن

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لمتابعة تصفح الموقع يرجي إيقاف الإضافة .. وذلك تقديراً لجهود القائمين على الصحيفة